موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

السكر المكررر والصحة العقلية

 

    منذ أن خرج السكر من رفوف الصيدليات إلى مصانع الحلويات المتنوعة في أواخر القرن السابع عشر، ازداد استهلاك السكر في بريطانيا خلال 200 سنة، من حفنة أو اثنتين في برميل البيرة في بعض الأماكن، إلى أكثر من مليوني باوند في السنة... وبدأ أطباء لندن بملاحظة وتسجيل علامات وعوارض مرضية مزمنة دُعيت: "كآبة السكر: Sugar Blues"

 

وفي تلك الأثناء، عندما لم يُظهر آكلو السكر أي عوارض جسدية واضحة، كان الأطباء المختصون مرتبكين بشدة، ولم يعد المرضى يُدعون بالـ"مسحورين" كالتسمية القديمة الغبية، بل صاروا يُدعون: مجانين، مخبولين، مكتئبين، مضطربين عاطفياً....

 

وصار الكسل، الإرهاق، الاكتئاب، الفِسق والانحرافات الجنسية، استياء الأهل من أولادهم... أي مشكلة مهما كانت، تكفي لحبس الناس تحت الخامسة والعشرين من العمر في أول مشافي باريس للأمراض العقلية!

 

كل ما يلزم لحبسك في ذلك المشفى هو: شكوى من الأهل أو الأقارب، أو من رجال الدين ذوي السلطة المطلقة!

 

المرضعات مع أطفالهم، النساء الصغار الحوامل، الأولاد المعاقون أو المشوّهون، المتقاعدون والكبار في العمر، المشلولون، المصابون بالصرع، العاهرات، وأي إنسان يتكلم كلاماً غير منطقي.... أي إنسان يريدون أن يطردوه من المجتمع ويبعدوه عن الأنظار... تم احتجازه في تلك المشافي المعزولة كالسجون.

 

ونجح مشفى الأمراض العقلية باصطياد الساحرات (وهن نساء حكيمات كبيرات في العمر) ومطاردة المهرطقين (أي من يعاكس التعاليم والمعتقدات السائدة)، وكان نجاحه عظيماً جداً، واعتُبر أسلوباً إنسانياً راقياً للتحكم بالمجتمع.... واستلم الأطباء مع رجال الدين عملية تنظيف الشوارع القذرة مقابل رضى العائلة الملكية المالكة.......

 

في البداية، عندما تم تأسيس "المشفى العام" في باريس بأمر ملكي، تم احتجاز واحد بالمئة من سكان المدينة فيه!!.... ومنذ ذلك الوقت حتى القرن العشرين، بازدياد استهلاك السكر المطّرد، خصوصاً في المدن، ارتفع عدد المحتجزين في المشافي العقلية بشكل رهيب...

 

بعد مرور ثلاثمائة سنة، أصبح من الممكن الآن تحويل "المضطربين عاطفياً" في أي مكان من العالم إلى روبوتات متحركة، تتم السيطرة على عقولها بواسطة الأدوية النفسية

 

 

    اليوم، روّاد "الطب النفسي المقوِّم للجزيئات" orthomolecular psychiatry  مثل: Dr Abram Hoffer, Dr Allan Cott, Dr A. Cherkin as well as Dr Linus Pauling ،

أكدوا أن كل الأمراض العقلية والنفسية خرافة وهمية؛ وأن الاضطراب العاطفي يمكن أن يكون مجرد العارض الأول، لعجز جسم الإنسان الواضح أمام "إجهاد الاعتماد على السكر وإدمانه".

 

وفي "الطب النفسي المقوِّم للجزيئات" كتب الدكتور Pauling:

"إن أداء الدماغ والنسج العصبية حساس جداً ويعتمد كثيراً على معدلات التفاعلات الكيميائة الحيوية في الجسم أكثر من أي عضو أو نسيج آخر... وأعتقد أن المرض العقلي ينتج بمعظمه عن معدلات تفاعلات غير سوية، حسب ما تحدده البنية الوراثية ونمط الغذاء، وينتج عن شذوذ في التراكيز الجزيئية للمواد الأساسية في الجسم...

واختيار الطعام (والدواء) في هذا العالم الذي يضج بالتقدم العلمي والتقني السريع، غالباً ما يكون بعيداً جداً عن الخيار الصحيح الأفضل لصحة الجسم والعقل"

 

في علاج انفصام الشخصية (Megavitamin B3 Therapy)، يقول  Dr Abram Hoffer:

"نحن أيضاً ننصح المرضى بإتباع برنامج تغذية جيد، مع الامتناع عن السكروز والأطعمة الغنية به"

 

    الأبحاث الطبية السريرية على الأطفال مفرطي النشاط أو المختلّين عقلياً، وعلى من لديهم إصابات في الدماغ أو إعاقات في التعلّم، جميعها أظهرت ما يلي:

 

- تاريخ عائلي ذو نسبة عالية وغريبة في الإصابة بالسكري، أي أن آباءهم وأجدادهم لا يستطيعون معالجة السكر....

- تكرار عالي جداً لحالات انخفاض سكر الدم (الغلوكوز) في العائلة، أو نقص وظيفي في سكر الدم عند الأولاد ذاتهم، مما يدل على أن أنظمة جسمهم لا تستطيع معالجة السكر أيضاً.

- اعتماد كبير على مستويات عالية من السكر في الطعام اليومي، عند الطفل ذاته الذي لا يستطيع جسمه معالجة السكر.

 

 

"إن التدقيق في التاريخ الغذائي للمرضى المصابين بانفصام الشخصية، يُظهر أن الطعام الذي يختارونه غني بالسكاكر، الحلويات، الكعك المحلى والشوكولا، القهوة، المشروبات الغنية بالكافيين (مثل الكولا)...

هذه الأغذية التي تنشط الغدد الكظرية، يجب أن تُخفض كثيراً أو أن تُمنع تماماً وبصرامة"

 

وهكذا أعاد الروّاد المبدعون في الطب الحديث اكتشاف ما تعلمه الساحرون والحكماء الكبار في العمر

منذ زمن بعيد من خلال الدراسة العميقة للطبيعة.

 

كتبَ Dr Thomas Szasz :

 

"خلال أكثر من عشرين سنة من العمل في علوم النفس، لم أعرف أن أي عالم نفس سريري قد كتب تقريراً على أساس الاختبارات الإسقاطية، يقول أن الموضوع المدروس هو <الشخص العادي السليم عقلياً>.

 

بينما استطاعت بعض الساحرات القديمات النجاة من القتل إغراقاً في الماء، لا يستطيع أي <مجنون> أن ينجو من الاختبارات والتحاليل النفسية... لا يوجد أي سلوك أو أي شخص يعجز عالِم النفس الحديث عن تشخيصه بأنه مريض أو شاذ أو غير سوي!"

 

هذا كان الحال في القرن السابع عشر... حالما يُستدعى الطبيب أو طارد الأرواح الشريرة، كان خاضعاً للضغط لكي يعمل شيئاً ما.... وعندما يحاول ثم يفشل: على المريض المسكين أن يُبعد ويُسجن...

 

لقد قِيل كثيراً أن الجراحين يُخفون أخطاءهم في العمليات الجراحية... وأيضاً يقوم أطباء وعلماء النفس بإبعاد أخطائهم وإخفاءها بإرسال المرضى إلى المشفى.

 

 

    في الأربعينيات 1940 قام Dr John Tintera بإعادة اكتشاف الأهمية الحيوية لجهاز الغدد الصم في الجسم، وخصوصاً الغدد الكظرية، ودورها في النشاط العقلي المرضي، أو حالة التردد العقلي.

في 200 حالة تحت المعالجة من أجل قصور القشرة الكظرية (نقصان الإنتاج الملائم لهرمونات قشرة الكظر، أو اختلال التوازن في هذه الهرمونات)، اكتشف ذلك الطبيب أن الشكاوي الرئيسية لمرضاه كانت غالباً مشابهة لتلك التي وُجدت في الأشخاص الذين لا تستطيع أجهزة أجسامهم أن تعالج السكر، وهذه الشكاوي هي:

الإرهاق، العصبية والنرفزة، الاكتئاب، القلق والخوف، الاشتهاء الشديد للسكاكر، عدم القدرة على تحمل الكحول، عدم القدرة على التركيز، الحساسيات بأنواعها، وضغط الدم المنخفض..... كآبة السكر!!!!!

 

وشدد ذلك الطبيب على أن جميع مرضاه يجب أن يلتزموا بـ: اختبار تحمل الغلوكوز كل أربع ساعات (GTT)، لاكتشاف ما إذا كان بإمكانهم أن يعالجوا السكر أم لا.

كانت النتائج مذهلة لدرجة أن المخابر أعادت اختباراتها مرتين، وبعدها اعتذرت عن القراءات التي اعتقدت أنها خاطئة... والشيء المحير في تلك الاختبارات كان المنحنيات البيانية المنخفضة والمسطحة المقروءة من المراهقين الصغار. هذا الإجراء المخبري كان قبل ذلك يُنجز فقط للمرضى الذين تظهر عليهم العلامات الافتراضية للإصابة بالسكري.

 

    إن تعريف Dorland  لانفصام الشخصية يتضمن عبارة:

"هذا الانفصام يُشاهد غالباً خلال المراهقة أو بعدها بقليل" ويزيد على ذلك في إشارة إلى

الفَنَد hebephrenia  والجامود catatonia  (أنواع من الفصام) بـ"أنها تبدأ مباشرة بعد بداية المراهقة".

 

قد يبدو أن هذه الأعراض تنشأ أو تتفاقم عند سن المراهقة، لكن سبر ماضي المريض يظهر كثيراً دلالات وعلامات كانت موجودة وقت الولادة، وخلال السنة الأولى من الحياة، وخلال سنوات الحضانة والمرحلة الابتدائية.... كلٌّ فترة من تلك الفترات لها طابعها السريري المميز الخاص بها... وهذا الطابع يصبح أكثر وضوحاً عند البلوغ، وكثيراً ما يدفع المدرّسين للتذمر والشكوى من تصرفات المراهقين الصبيانية المسيئة  وقلة الدراسة والإنجاز.

 

إن إجراء اختبار تحمل الغلوكوز في أي من هذه الفترات كان بإمكانه تنبيه الأهل والأطباء وتوفير عدد لا يُحصى من الساعات والدولارات، المصروفة على البحث ضمن نفسية الطفل وبيئة منزله، لإيجاد أي سوء انسجام يعرقل نمو الطفل العاطفي.

 

الشخصية السلبية، فرط النشاط، الاستياء ورفض قواعد السلوك والنظام، كلها مؤشرات هامة، يجب أن تدفعك لإجراء أبسط التحاليل المخبرية: تحليل البول، تحليل كامل للدم وتعداده، PBI determination، واختبار تحمل الغلوكوز لمدة خمس ساعات... هذا الاختبار يمكن أن يُجرى لطفل صغير بالطريقة المصغّرة الملائمة.

وفي الواقع، كنتُ أدفع كل المرضى لإجراء تلك التحاليل الأربعة روتينياً، حتى قبل ظهور أي أعراض سريرية واضحة.

 

في معظم النقاشات حول إدمان المخدرات والكحول، وانفصام الشخصية، قيل أنه لا يوجد أي بنية جسمية معيّنة تقع فريسة لهذه الأمراض. بصورة عالمية تقريباً، قِيل أن كل هؤلاء المرضى والمدمنين غير ناضجين عاطفياً.

 

لكن لزمن طويل، كان هدفنا دائماً سؤال كل طبيب، سواء كان مختصاً بعلم النفس، الوراثة، أو الفيزيولوجيا، لكي يعترف بأن نوعاً محدداً من مرض الغدد الصماء مسؤول عن معظم هذه الحالات، ألا وهو:

قصور القشرة الكظرية.

 

    قام Dr John Tintera بنشر عدة دوريات طبية... ودائماً كان يشدد على أن تحسن حالة المريض أو التخفيف منها وتسكين أعراضها أو علاجها، كلها "تعتمد على استرداد الوظيفة الطبيعية للجسم الحي بكامله".

أول مادة كان يصفها للعلاج هي نظام التغذية السليم.

وقال مراراً: "أهمية الغذاء لا يوجد أي شيء أعلى منها".

وقد طالب بتوصية قانونية دائمة لمنع السكر بجميع أشكاله والمنتجات التي تحويه!!!!

 

بينما كان Egas Moniz من البرتغال يستلم جائزة نوبل من أجل اكتشافه لعملية جراحية دماغية فصية لعلاج انفصام الشخصية، كانت جائزة Dr John Tintera هي الإزعاجات والتهديدات المتكررة من قِبل رؤساء الطب التقليدي...

وبينما نجحوا باحتجاز شرح Dr John Tintera الكاسح حول السكر كسبب ما يدعى بـ "انفصام الشخصية"، وحصره في المجلات الطبية فقط، تم إهمال هذا الطبيب وتجاهله تماماً...

 

كان من الممكن أن يتحملوه قليلاً لو أنه بقي في المجال المرسوم له فقط: علم الغدد الصم...

حتى عندما اقترح أن الإدمان على الكحول مرتبط بالغدد الكظرية المتضررة من استهلاك السكر، تم تجاهله من الجميع، لأن الأطباء قرروا أنه لا يوجد أي شيء يخصهم من هذا الإدمان إلا الحالات الشديدة المتفاقمة، لذلك تركوا الإدمان على الكحول ليستلمه Alcoholics Anonymous . (هيئة معالجة الإدمان على الكحول)

 

على أية حال، عندما تجرأ Tintera ليكتب في مجلة دورية عامة قائلاً:

"من السخافة أن نتحدث عن كل أنواع الحساسيات عندما لا يكون هناك إلا نوع واحد منها،

وهي : الغدد الكظرية التالفة بسبب السكر"...!

هنا لم يعد بالإمكان تجاهله أبداً!!

 

    بهذه الكلمة والفضيحة، تلقّى أطباء الحساسية صفعة قوية... الأرواح الهائمة كانت دائماً تصول وتجول عندهم لتروي قصص الحساسية الطويلة والغريبة عن كل شيء، ابتداءً من حساسية الأزهار إلى وبر ذيل الحمار وحتى ذيل القريدس والغبار!... وأتى شخص ما ليقول أن كل هذه الروايات غير هامة أبداً،

فقط أبعدوا هؤلاء المرضى عن السكر وكل الحساسيات ستزول!

 

ربما موت Tintera الباكر عام 1969 عن عمر 57 سنة، جعل الأمر أسهل على مهنة الطب، لقبول الاكتشافات التي تبدو بعيدة جداً عن الصواب والمنطق المنتشر، مثل الفرضية الطبية الشرقية للوراثة والغذاء، والين واليانغ، وغيرها...

 

اليوم، يكرر كثير من الأطباء حول العالم ما أعلنه الطبيب الصادق Tintera منذ سنين خلت:

 

يجب عدم السماح لأي أحد بأن يقوم بما يُدعى: "معالجة نفسية"، في أي مكان أو أي اختصاص،

حتى يقوم باختبار تحمّل السكر ليكتشف مقدرة المريض على معالجته واحتماله.

 

لكن "الطب الوقائي الشمولي" بأنواعه يتعمق في هذا أكثر، ويقول:

 

بما أننا نعتقد أنفسنا قادرين على معالجة السكر لأنه لدينا مسبقاً غدد كظرية قوية،

فلماذا ننتظرها حتى تعطينا علامات بأنها قد اهترأت؟؟؟؟

ارفع عنها التعب من الآن بتقليص استهلاكك من السكر المكرر بجميع أشكاله ومنتجاته،

وابدأ بعلبة المشروبات الغازية التي في يدك الآن!

 

 

الفكر يتردد فعلاً ويتشوّش عندما يُعيد النظر على ما مضى في التاريخ الطبي....

خلال القرون الماضية، كانت النفوس القلقة تُشوى لتخليصها من السحر، تُعذب كثيراً لطرد الأرواح الشريرة، تُحبس طويلاً من أجل جنونها، تذوق الويلات من أجل جنون العادة السرية، تُحلل نفسياً من أجل الذهان والأمراض العقلية، وتُجرى لها الجراحة الدماغية لعلاج الانفصام......

 

فكم من المرضى كانوا سيصغون لو أن المعالج الطبيعي المجاور قال لهم أن الشيء الوحيد الذي يمرضهم هو ببساطة: كآبة السكر؟

 

أضيفت في:12-7-2007... فضيحة و نصيحة> السكر المكررر
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد