موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

هل الأفضل أن أتأمل وأعمل على نفسي وحدي أم مع جماعة؟

أحتار عندما أجد معظم تقنيات التأمل ونمو الوعي في الغرب تعتمد على حضور جماعة من الأفراد سوية.. مثل التأمل الجماعي ودورات العلاجات الروحية وشفاء العلاقات الأسرية والماضية...

بينما في الشرق ورغم وجود بعض المريدين الذين يعيشون سوية مع معلميهم، لكن التركيز هناك دائماً على الفرد والحياة الفردية والمعزلة عن الناس.. ما هو الفرق؟

 

..هناك نوعان من طرق تنمية الوعي.. يمكنك زيادة وعيك الروحي وحيداً، أو يمكن أن تعمل ضمن جماعة أو مدرسة.. كلا النوعان قد وجدا منذ القدم وحتى في الشرق وبلاد أمة الوسط... الصوفيون مثلاً عملوا طرقاً جماعية، وفي الهند أيضاً كان هناك طرق جماعية لكنها لم تنتشر كثيراً مثلما انتشرت مع الإسلام أو الصوفية.

لكن هذه ظاهرة جديدة في الغرب نراها اليوم تنتشر أكثر.. صارت معظم الطرق جماعية.. لماذا وما هو الفرق؟ ولماذا هناك فرق؟

الطرق الجماعية لا يمكن أن توجد إلا إذا وصلت الأنا عندك إلى نقطة تصير فيها عبئاً ثقيلاً لا يمكنك حمله.

عندما تصبح الأنا ثقيلة جداً لدرجة أن بقاءك وحيداً يصير عذاباً مؤلماً، تصبح الطرق الجماعية مفيدة ومؤثرة، لأنك تستطيع دمج وإذابة الأنا في المجموعة.

إذا لم تكن الأنا متطورة كثيراً، عندها الطرق الفردية ستساعدك.. يمكنك الذهاب إلى قمة جبل وعزل نفسك أو حتى العيش مع جماعة ومعلم لكنك تعمل مفرداً، تقوم بتأملاتك لوحدك والآخرون يقومون بتأملاتهم، ولا تجتمعون سوية أبداً.

 

في الهند، لم يقم الهندوس أبداً بالصلاة في مجموعات.. مع دخول المسلمين إلى الهند دخلت معهم الصلاة الجماعية.. أنا هنا لا أحكم أو أميّز دينياً لكن أشرح ظاهرة عامة لأجل الفائدة.. المسلمون يصلون جماعة، الهندوس كانوا دائماً يصلون أفراداً، حتى لو ذهبوا إلى المعبد سيكونوا أفراداً وحيدين.. إنها علاقة شخص بشخص أنت وإلهك فقط.

ذلك ممكن فقط إذا لم يتم مساعدة الأنا للنمو إلى درجة تصير فيها عبئاً.. في الهند لم يتم مساعدتها مطلقاً، منذ البداية الأولى كان كل الهنود ضد الأنا.. هناك، تنمو معك الأنا لكنها تبقى ضبابية وأنت تبقى متواضعاً، لن تكون أنانياً متكبراً فعلاً... ليست الأنا قمّة ظاهرة وفاعلة بل مجرد أرض مسطحة مثل الكل.

أنت تحمل أنا لأن كل الناس عليهم حمل الأنا، لكنك لستَ أناني بالمطلق.. أنت تفكر دائماً أن ذلك خاطئ وتستمر بسحب نفسك إلى الأسفل... في بعض الحالات يمكن إثارتك فتصير الأنا قمة عندك، لكن الحالة العادية الدائمة هي أنا ضحلة مسطحة.

 

في الهند، الأنا هي مثل الغضب تماماً، إذا أثارك شخص ما ستغضب، وإذا لم يثيرك أحد فلن تغضب.

في الغرب، أصبحت الأنا مادة دائمة وظاهرة جداً.. ليست كالغضب بل صارت مثل التنفس.. لا حاجة لإثارتها لأنها موجودة ظاهرة ومستمرة.

بسبب هذه الأنا، أصبحت المجموعة شيئاً مساعداً جداً... في المجموعة عندما تعمل مع غيرك وتذيب نفسك بينهم، يمكنك وضع الأنا جانباً بسهولة.

لذلك، ليس فقط في الدين، بل حتى في السياسة أيضاً، لا يمكن لبعض الظواهر أن توجد إلا في الغرب: مثلاً الفاشية، أأمكن ظهورها في ألمانيا لأنها أكثر بلد عنده أنانية وتكبر في الغرب... إنها أكثر بلد غربي تغرباً.. ليس هناك شيء يقارن بالأنا الألماني في كل العالم.

لذلك أمكن ظهور هتلر هناك، لأن كل شخص أناني جداً وكل شخص بحاجة للذوبان والاندماج في مجموعة.. حشود النازيين، ملايين الناس تزحف سوية، يمكنك نسيان نفسك لأنك لا تحتاج نفسك ضمن الحشود.

هكذا تشكل زحف النازيين، وفرقة عزف موسيقى الحرب، والمنوّم المغناطيسي هتلر صاحب الشخصية الجذابة والمؤثرة... كل شخص ينظر إلى هتلر، الحشود كلها مصطفة حوله مثل المحيط، وأنت فيها تصبح مجرد موجة.. ستشعر بالراحة والانتعاش والشباب والسعادة.. ستنسى همك وتعاستك وعذابك وعزلتك الموحشة... في الحشد لن تكون وحيداً.. كل هذه الحشود الهائلة تسير معك وأنت تسير معها.. همومك الفردية الخاصة ستسقط لوحدها.. فجأة هناك انفتاح وارتياح فتشعر بقوة ونشاط كأنك تطير.

 

لقد أصبح هتلر ناجحاً ليس لأن عنده فلسفة قوية ومقنعة، كانت فلسفته تافهة طفولية غير ناضجة.. وليس لأنه استطاع أن يُقنع الألمان بأنه على حق.. لم تكن تلك نقطة نجاحه.. من الصعب جداً إقناع الناس الألمان، من أصعب الأشياء في العالم، لأنهم أناس منطقيين جداً، فكرهم مليء بالمنطق وهُم عقلانيون في كل شيء... من الصعب إقناعهم، وأن يقوم هتلر بإقناعهم كان أمراً مستحيلاً... لا، لم يحاول أبداً إقناعهم، بل قام بصُنع ظاهرة جماعية من التنويم المغناطيسي، وذلك تحديداً ما أقنعهم.

لم يكن الموضوع يتعلق بالكلام والأفكار التي كان هتلر يقولها، بل كان الموضوع ماذا كان الناس يشعرون عندما كانوا ضمن المجموعة والحشود.. لقد كانت تجربة مريحة جداً لهم رموا فيها كل أعباء الأنا، فكان ذلك الشعور يستحق المخاطرة وإتباع ذلك الرجل.. مهما كان الكلام الذي يقوله، صح أم خطأ، منطقي أم غير منطقي أم أحمق.. شعروا أن إتباعه شيء جيد.. لقد كانوا ضجرين جداً من أنفسهم وأرادوا الذوبان ضمن الحشود.

ذلك هو سبب إمكانية ظهور الفاشية والنازية وكل أنواع الجنون في الغرب...

 

في الشرق، اليابان فقط استطاعت الإتباع وفعل ذلك، لأن اليابان هي البلد المقابل لألمانيا في الشرق.. اليابان هي أكثر بلد غربية في الشرق. نفس الظاهرة كانت هناك، لذلك قدرت اليابان أن تصبح حليفاً لجنون هتلر.

 

الأمة العربية بسبب انتشار الجهل وقلة الوعي والثقافة، ضائعة بين الشرق والغرب وتقلّد الاثنين معاً.. يمكنك بنفسك رؤية تقليد الغرب أو الشرق حسب البلد أو السياسة وأحياناً المدن والطوائف دون ذكر أسماء.. وربما صرنا نقلد ونستورد من الغرب أكثر.

نفس الشيء يحدث في مجالات أخرى أيضاً، في الدين، وفي علوم النفس.

التأمل الجماعي يحدث، ولن يحدث إلا التأمل الجماعي لفترة طويلة في الغرب.. عندما يجتمع مئة شخص سوية، قد تفاجأ وخاصة إذا كنتَ لا تعرف الفكر الغربي، بمجرد اجتماع مئة شخص وجلوسهم معاً وإمساك أيدي بعضهم والشعور بها، سيشعرون بالطيران والسعادة الغامرة!

لن يشعر أي هندي بالطيران هناك... سيقول ما هذا الهراء! مجرد إمساك اليد في حلقة من مئة شخص كيف ستعطيه السعادة أو النشوة؟ لن يشعر إلا بتعرّق وحرارة يد جاره.

لكنهم في الغرب سيشعرون بالنشوة ضمن مجموعة تمسك بأيدي بعضها... لماذا؟ لأنه حتى إمساك الأيدي قد صار مستحيلاً بسبب الأنا.. حتى الزوج والزوجة ليسوا سوية.. العائلة قد اختفت وهي كانت ظاهرة مجموعة طبعاً.. المجتمع كله اختفي في الغرب وأنت فيه تعيش وحيداً.

 

في أميركا تقول الإحصائيات أن كل شخص ينتقل إلى مدينة جديدة كل ثلاث سنوات.. بينما رجل في قرية من الهند سيبقى فيها دائماً، ليس هو فحسب بل كل عائلته كانت فيها منذ ألوف السنين... إنه متجذر كثيراً في تلك القرية، متواصل مع الجميع، يعرف الكل والكل يعرفه، ليس غريباً ولا وحيداً.. يعيش كجزء من القرية، لقد ولد فيها وسيموت فيها أيضاً.

في أميركا ينتقل الناس بالمتوسط كل ثلاث سنوات... هذه أكثر حضارة بدوية رحالة ظهرت حتى الآن، كأنهم غجر متشردون دون منزل ولا عائلة ولا مدينة.. في ثلاث سنوات كيف يمكن أن تنمو جذورك وتستقر؟ أينما ذهبت ستبقى غريباً.. الحشود حولك لكنك غير متواصل معهم.. كل هذه العزلة تصير عبئاً فردياً على كل شخص.

عندما تجلس في مجموعة للتأمل أو لتطوير الوعي، تشعر بالآخرين وأجسادهم وتصبح جزءاً من جماعة... مجرد إمساك يد الآخر أو الاستلقاء جانبه أو أحياناً تكويم الأشخاص فوق بعضهم، ستشعر بالانفتاح وبشعور ديني روحي عالي... مئة شخص يرقصون سوية، يتصافحون ويسيرون معاً يصيرون واحداً.. يندمجون فيذوب الأنا بضعة لحظات.. ذلك الاندماج يصير صلاة.

 

السياسيون يمكنهم استخدام الظاهرة لغايات تدميرية، والدين يمكنه استخدامها لصُنع ظاهرة إبداعية وتحويلها إلى تأمل واتصال بالأصل...

 

في الشرق، الناس يعيشون كثيراً ضمن مجموعات، لذلك متى ما أرادوا أن يكونوا متدينين سيرغبون بالذهاب إلى الجبال البعيدة... المجتمع موجود كثيراً حولهم.. إنهم ليسوا ضجرين من أنفسهم بل ضجرين من المجتمع.

هذا هو الفرق.. في الغرب أنت ضجر من نفسك وتريد نوعاً من الجسر والاتصال، كيف تتواصل مع المجتمع ومع الآخرين، كيف تصنع جسراً وكيف تذهب إلى الآخر بحيث تقدر على نسيان نفسك.

في الشرق، الناس ضجرون من المجتمع، لقد عاشوا فيه فترة طويلة جداً والمجتمع يحيط بهم كثيراً فلا يشعرون بأية حرية.. لذلك متى ما أراد شخصٌ أن يكون حراً وصامتاً سيركض إلى أعالي الجبال.

 

في الغرب سيركض الناس إلى المجتمع، في الشرق سيركضون من المجتمع.. لذلك الطرق الانعزالية والفردية قد ظهرت في الشرق، والطرق الجماعية ظهرت في الغرب.

 

لكن نحن الآن في زمن حديث منفتح.. صار عندنا طرق مركبة من الطريقتين سوية... شرق غرب.. يمين يسار.. توحيد.. من أهم طرق التأمل الحديثة والعالمية هي التأمل الحركي الدايناميكي.. في الخطوات الأولى منه تكون جزءاً من المجموعة، وفي الخطوات الأخيرة تختفي المجموعة.. تصميم هذا التأمل مخصص لكل العالم، لأن الشرق والغرب لم يعد موجوداً... الشرق ينقلب باتجاه الغرب، والغرب ينقلب باتجاه الشرق.. قريباُ لن يبقى شرق أو غرب بل عالم واحد.

هذا الانقسام الجغرافي قد وجد لفترة طويلة جداً.. ولا يمكن أن يوجد أكثر من ذلك.. التكنولوجيا  قد أزالته الآن تماماً، لكن بسبب ميول تقليدية قديمة في الفكر يستمر الانقسام قليلاً.

الانقسام بين الشرق والغرب هو ظاهرة فكرية وهمية فحسب، لم يعد موجوداً.. نحن في عالم واحد فعلاً..

لذلك صرنا نحتاج طرق مركبة عالمية للكل، جماعية وفردية سوية.. تعمل ضمن مجموعة في البداية، وفي النهاية تصير وحدياً مع نفسك تماماً.. تبدأ من المجتمع ثم تصل إلى نفسك.. لا تهرب من المجموعة.. عِش في العالم لكن لا تكن جزءاً منه.

 

كن متواصلاً ولكن ابقَ وحيداً... أحبّ وتأمل، تأمل وأحب...

تأمل وأحب إذا كنتَ رجلاً... أحب وتأمل إذا كنتي امرأة...

الحب مع التأمل هو الشعار لأهل الحق والغار..

 

أضيفت في:26-9-2016... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد