موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

أيدي الحب المجهولة

في إحدى الأمسيات.. وقد حدث هذا بضعة مرات... أتت إليّ امرأة شابة من مسافة بعيدة.. وقالت لي: "أنا معجبة جداً بما تكتب وتنشر.. أنا أحب ما تعمل لأجل الخير والإنسانية والسلام... وأنا أتيت اليوم أريد أن أكون معك وأخدمك".

أخبرتها: إذا نسيتي هذه "الأنا" فالخدمة ستحدث وتلحق تلقائياً... ماذا هناك غير الكِبر يعيق تحوّل وجود الإنسان إلى خدمة في الحياة؟

الكِبر لا يُقدّم بل يتطلّب الخدمة... في الواقع، إنه فقط يريد ويريد كل شيء... لا يعطي أي شيء لأنه غير قادر على العطاء..

العطاء مستحيل بالنسبة للافتخار والاستكبار.. لأنه كان ولا يزال أكبر شحاذ.. لذلك لا يمكن إيجاد شخص أفقر وأتعس من المستكبر.

فقط الذي يستطيع أن يخدم هو ملك الملوك... ماذا يستطيع الشخص أن يعطي عندما لا يمتلك شيئاً؟ قبل العطاء لا بد من امتلاك بعض الأشياء...

وما هي الخدمة؟ أليس الحب ذاته خدمة؟ والحب لا يولد إلا في الوعي الذي تم فيه دفن هذه "الأنا"....

في موت الأنا، تبدأ ولادة وحياة الحب... ومن قبر الأنا تنبت بذور زهرة الحب..

أولئك الممتلئين بالأنا فارغون من الحب، والعكس صحيح..

 

الأنا هي مركز الاستغلال... أليس خدمة الأنا هي أيضاً استغلال؟... حتى في تلك الخدمة، نجد نفس الأنا تزدهر وتزداد قوة... يا ترى هل البشرية غير واعية للأنا عند خدم ومصلحيّ البشرية؟

طبعاً هناك غطاء من التواضع حتى ضمن افتخار المستغلّ، لكن في تواضع الخادم هناك إعلان واضح عن الافتخار.

 

تذكّري، أن الحب ليس شيئاً يُقال، وأن الخدمة شيء صامت...

تذكّري أيضاً أن الحب هو ذاته التقدير لذاته، وأن الخدمة هي ذاتها مكافأة ذاتها.....

 

تذكرتُ قصة واقعية وغريبة... ذهب صديقان إلى باب أستاذ لتعلّم فن الرسم... كانا فقيرين جداً، لم يكن معهما حتى رغيفان من الخبز.

فقرر كلاهما كبداية، أن واحداً منهما سيتعلم ويمارس الرسم، والثاني سيعمل بجدّ لإطعام نفسه والآخر.. بعد فترة، سيقوم الأول بكسب المال والثاني سيتعلم الرسم على حساب الأول.

بدأ أحدهما يتعلم ويرسم عند الأستاذ الفنان... ومضت سنوات عديدة، وكان الأثر صعباً طبعاً... لم يكن هناك مجال للتفكير بالوقت.... الشخص الأول الذي يتعلم الرسم بكل فكره وكيانه، انشغل كثيراً بالرسم والتدريب عليه، وبالتدريج بدأ يحصل على الشهرة ولمع نجمه في عالم الفن... كان اسمه ألبرت دورير Albrecht Durer لكن صديقه كان مشغولاً بعمل أصعب وأشقى بكثير... كان يحفر الخنادق ويكسر الصخور، يقطع الحطب ويحمل الأثقال... بالتدريج، نسي تماماً أنه هو أيضاً أتى هنا ليتعلم الرسم، وعندما أتى دوره ليتعلم الفن، ظهر أن يداه أصبحت متجمدة ومتصلبة تماماً ومن المستحيل أن يرسم بهما أي لوحة!

 

عندما رأى الصديق الأول هذا بدأ بالبكاء... لكن الصديق الثاني كان سعيداً جداً وقال: "ما هو الفرق سواء يداي أو يديك قامت برسم اللوحات؟ أليست يداك هي يداي أيضاً؟"

أصبح الأول رساماً عظيماً، لكن اسم صديقه الذي جعله رساماً من خلال العرق والعناء غير معروف لأي شخص... لكن، أليست هذه الخدمة المجهولة هي مثال لامع عن محبته؟ كم من البركة في قلوب الذين يخدمون دون أن يُعرفون، ويبحثون عن أي فرصة للخدمة؟

 

ليس فقط الأشخاص المعروفون هم الذي يصنعون ويخلقون، بل أيضاً غير المعروفين...

ليس هناك أي جهد أو صلاة أعظم من الخدمة التي تقوم بها أيدي الحب المجهولة..

قام الفنان ألبرت برسم صورة ليدي صديقه وهي تصلي وتدعي... هل من السهل إيجاد مثل هذه الأيدي الجميلة؟؟ هل من الممكن إيجاد أتقى وأنقى منها؟؟ وكل هل تمتلك أي أيدي أخرى الحقّ بالصلاة والدعاء؟؟.. آه كم قليلة هي الأيدي التي تحصل على حظ جيد لتحبّ وتصلّي مثلها.

أضيفت في:3-10-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد