موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

الحقّ.. بيتٌ من الصّدق

يا صديقتي العزيزة... في هذا المساء الجميل، كتبتْ لك شجرات السرو الكبيرة والقوية في الحديقة... سألتها عن سبب قوتها وعطرها وثباتها، فقالت لنا:

القوّة تأتي من الحقّ:

الحق ليس ملكيةً لأرض يتنازع عليها الناس، والحق ليس كلمة يتشدّق بها السياسيون ورجال الدين للمحافظة على اشتعال الحروب وضمان مصالحهم وكراسيهم، والحق ليس شيئاً يكون معك أو معي أو عليك أو عليّ... بل الحق أنا وأنت نكون معه!...

الحق هو اسم من أسماء الله!... إنه الألوهية والحالة الهائلة للهالة التي يعيشها من كان مع الحق داخله.

 

والحقّ يأتي من الصّدق:

الصدق هو الصدق مع النفس.. مع الوعي أو الضمير والذات داخلنا.. وليس الصدق مع الآخرين الذي يخضع لألف تعريف وقانون وشريعة ووصية لخدمة المصالح الغبية.

الصدق هو صدقي مع نفسي ثم نفسي ثم نفسي، فالصدق قد يقتضي أحياناً قول "الكذب" من شدة الصدق، لأنه لن يكون كذب بل ببساطة رحمة وأداة لمخاطبة الناس على قدر عقولهم لإيصال رسالة ما إليهم...

والصدق مع النفس لا يأتي سهولة بين يوم وليلة، بل يحتاج لبناء متين وبطيء مثل شجرة السرو، وبالأحرى يحتاج لهدم كل أبنية التشفير التي وضعوها في فكرنا تحت اسم الصدق والكذب والذنب والخطيئة والفضيلة.

 

والصّدق يأتي من عدم المساومة:

إن الذي يخاف من أي شيء سوف يساوم على الحقيقة التي يعرفها في صميم قلبه... لا بدّ من ذلك، لأن الخوف بالأساس هو ضعف وجهل وقلة ثقة بالنفس والوجود...

هذا الضعف في المساومة يدفع الإنسان إما للسكوت عن الحق فيكون شيطاناً أخرس، أو يدفعه للتهور بحماقة ليقول ما يعتقد أنه حق في وجه ما يعتقد أنه باطل فيكون شيطاناً ناطق!!

إنْ خِفتم من شيء فادخلوا فيه... واجهوه داخلياً بالتأمل، ليس بالصمت ولا بالتهور بل بالوعي والفهم والمواجهة الداخلية.

عندما يختفي الخوف تظهر الرحمة... تظهر القوة وتختفي المساومة... يظهر الوعي الذكي القادر على إيصال ما يريد، دون السكوت الضعيف ودون التهوّر العنيف.

 

وعدم المساومة يأتي من الاستغناء:

قالت لي شجرة السرو، انظر لي يا علاء... أنا لا أساوم على حقيقة أنني شجرة سرو معطرة وقوية وحكيمة، لأنني لا أركض خلف ما يركض خلفه البشر المساكين... من استغنى اغتنى، أي أن الغنى والقوة الداخلية وكذلك القوة الخارجية التي تلحقها، تأتي فعلياً من الاستغناء وليس من امتلاك آلاف الأشياء.

انظر إلى هذا الشارع تحت أغصاني... مع أن البلد في أزمة وحرب، لكنني كل يوم أرى مئات الفقراء الضعفاء الذين يقودون أغلى وأفخم السيارات وعندهم أرقى العقارات والإمارات وملايين الدولارات.. ومع ذلك لم أرى أي شخص قوي بينهم... بالعكس، جميعهم عبيد العصر المادّي الجديد.. مُقيّدون بآلاف الخيوط النفسية الخفية التي لا يدركون وجودها، ويلتهون بالمُتع والمظاهر ويعتقدون أنهم أقوياء وملوك وأغنياء...

طبعاً الاستغناء لا يعني أن تعيش فقيراً مادياً أو أن تزهد في الدنيا... الاستغناء هو ببساطة عدم الركض وراء المال والممتلكات، وعدم جعلها هدفاً لك... بل هدفك في الحياة هو أن تعمل ما تحب بعبادة ووعي وتأمل، سواءٌ حصلتَ على مردود مادي أم لا ليس هناك أي فرق بالنسبة لك.... والمفاجأة هي أن من يسلك طريق القلب ويتبع ما يهوى ويحب، لا بدّ أن الغنى الداخلي المبدع داخله سيحقق الغنى الخارجي أيضاً.. سيحقق الوفرة التي هي طبيعة الأرض وفطرة الحياة.

حقيقة الوفرة موجودة في الفطرة... إذا أعطيتَ الأرضَ حبةً ستُعيدها لك ألف حبة مجاناً... وهكذا طبيعة البشر أيضاً.. نحن في الجنة وفي وفرة هائلة وما علينا إلا البدء بالعطاء دون شرط ودون فكر... لكن أولئك المسيطرون بالجهل أصحاب المصالح الخاصة عرفوا هذه الفطرة الواضحة، وحاولوا منذ مئات السنين زرع الشك والخوف وقلة الثقة في فكرنا من خلال المعتقدات وأنظمة التعليب في المدارس والجامعات.

شفرونا على الخوف والحساب، وعلى البحث دائماً عن المردود لكل عمل نعمله، وإيجاد طريقة للعيش أو تأمين المعاش كل شهر... من أين سندفع أجار البيت وقرض السيارة وأجور مدارس الأولاد وأجور الخدم ووووو؟؟؟... وفي ذات الوقت نحن المسؤولون جميعاً وليس فقط المسيطرون.. انخفض وعينا جميعاً في هذا العصر المادي، وصارت قيمة الإنسان تُقدّر بما يملك في جيبه وليس بما يحمل في قلبه...

 

شكرتُ صديقاتي شجرات السرو... رأيتُ كم تحمل من عطر الصدق ونور الحق... شكرتها على الحكم الثمينة التي قالتها لي دون ثمن...

يا صديقتي، إذا لم نصبح حكماء وأقوياء مثل شجرة السرو، فما نفع أن نعيش في هذه الحياة؟

وهل سعادتنا وقوتنا وتحررنا موجودة في بناء بيت أم في بناء أنفسنا أولاً؟

 http://www.alaalsayid.com/images/articles/Homeyyy.jpg

أضيفت في:24-7-2014... في قلب الله> يد الله مع الجماعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد