موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

قوة النوايا واستخدامها الحقيقي

ما هي قوة النوايا في الحقيقة؟ وما هو معنى أن تتصل بقوة النوايا في حياتك؟

في هذا الموضوع سنحاول معاً أن نفهم ونكتشف حقيقة النوايا، ولا أعتقد أن أي أحد في العالم يمكنه معرفة ذلك السر الكوني... مع ذلك، يمكننا بالتأكيد استخدام النوايا واختبارها مباشرة بأنفسنا، وهذا ما ستقدر عليه بعد قراءتك هذه الصفحات.

إنما الأعمال بالنيّات.. هكذا أخبرنا كل نبي وكل حكيم لأن النيّة هي بداية وأساس كل عمل... وما هي النية إذاً؟؟

هناك قوة أو طاقة هائلة في الكون لا يمكن وصفها أو قياسها، يسميها العارفون بالنيّة، وكل شيء موجود في كامل الكون متصل بالنيّة والألوهية بوَصلة خاصة.

العارفون والباحثون عن الحقيقة، يهتمون بفهم وتطبيق هذه الوصلة الكونية، ويهتمون تحديداً بتنظيفها من الرواسب والآثار المنوّمة الناتجة عن اهتماماتنا ونشاطاتنا في حياتنا المعتادة... فهذه الوصلة بالأساس موجودة في فطرة القلب، وليس هناك حاجة لأي أحد أن يعلمك عنها... ليس هناك حاجة لأحد لكي يعلم السمكة كيف تسبح والكلب كيف ينبح.

لكن معظمنا فقد الفطرة، ونحن هنا نحاول أن نتذكر فحسب وننظف الغبار...

 

النيّة باختصار هي اسم آخر للوعي الكوني، أو لحقل الطاقة الكثيف اللانهائي (طاقة الصفر أو الفراغ أو الفناء) الحقل الذي يتم خلق وتجسيد كل شيء منه، إذا أراد الشيء يقل له كُن فيكون...

النية هي اسم آخر للقوة الكونية غير المحدودة بشخص أو بشيء، التي تعتني وتغذي كل الكائنات كأجساد وتجسدات بما فيها نحن البشر، وتحافظ على هذا التجسد حياً.

بنفس الطريقة تماماً التي نرسم فيها صورة ما في مخيلتنا ونحافظ عليها هناك، هذا يصف تماماً عملية الخلق الكوني كل لحظة.. طبعاً على مقياس مصغر، لكن فيكَ انطوى العالم الأكبر.

 

ماذا يعني استخدام قوة النوايا؟ والاتصال بهذه القوة، والعيش انطلاقاً من النوايا؟

 

الاتصال بالنوايا، وجلب الواقعية إلى كيان الإنسان:

من أهم الكلمات التي تعبّر عن النيّة أنها: إرادة شيء بصمت وجلبه إلى الكيان.

كما تعلمون يا أصدقاء الطريق، الإنسان مكوّن من ثلاث أكوان وطبقات: رأس، قلب، وصلة أرحام... هذه الصلة يدعونها أيضاً الكيان الأعمق أو الهارا وهي مركز دخول وخروج الروح من الجسد.... الأفكار تتشكل في الفكر أو الرأس وهو أبعد ما يكون عن الكيان، لذلك الأفكار ليس لها قيمة واقعية في الحياة... المشاعر تتشكل في القلب، وهو أقرب قليلاً إلى الكيان لكنه لا يزال منفصل عنه، لذلك المشاعر والعواطف أيضاً لا تؤثر كثيراً في حياتنا.

في صلة الأرحام.. هنا سر الأسرار في موضوع النوايا...

جلب النيّة كفكرة لن يصنع أي شيء جديد، بل إرادة الشيء بصمت وجلبه إلى الكيان، أي إحداث حالة محددة من الطاقة في مركز الكيان صلة الأرحام... المقام الثالث بين المقامات السبعة.

إنها حالة لا تتحدد بالفكر والأفكار، بل بشعور قوي عميق وبحالة من الكيان حيث يشعّ من صمتك الداخلي عرفان قوي ووصلة من الطاقة أو رابطة مع هذا الواقع المستقبلي الذي تركّز عليه.

ما لم نصل إلى تلك الحالة المحددة، فلم ننوي ولم نعرف بعد أي شيء عن النوايا، ولم نتصل بعد بالقوة الكونية للنيّة الإلهية داخلنا وخارجنا....

 

كيف تطبق النوايا على نفسك؟

إليك أمثلة واضحة عن المرض والشفاء ربما توضح لك تطبيق النوايا في كل المجالات الأخرى...

اجتمع عشرة أشخاص على صديق لهم، وقرروا أن يعملوا معه مزحة ليضحكوا قليلاً.... وبدؤوا واحداً تلو الآخر وكل يوم.. قال له الأول: صباح الخير يا أحمد، ماذا بك وجهك أصفر هل أنت مريض؟... في اليوم التالي قال شخص آخر: أهلا بك أحمد.. لماذا عيونك حمراء؟ هل تعاني من ألم في معدتك وأمعائك؟... وهكذا... بعد أسبوع تفاجئوا أن أحمد صار في المشفى في العناية الفائقة يتعالج من أمراض صعبة جداً!

الشخص المريض، إذا بقي في الخوف والهمّ والغمّ وفي نفسية متشائمة مستاءة من المرض وغاضب على نفسه ويلوم الآخرين فلن يشفى أبداً.... أما إذا وضع نية الشفاء وإرادة التحسن، نجد أن نفسيته الإيجابية تجلب الراحة وطاقة الشفاء فعلاً له ويتعافى بسرعة.

وهذه آلية عمل النوايا...

 

هل قمتَ مرةً بإقناع نفسك أنك مبدع مثلاً بينما أنت غير مبدع؟

كيف يمكنك إقناع نفسك بأنك متعافي، رغم أنك مريض؟

النيّة تعمل بهذه الطريقة السحرية: إنها إقناع نفسك بأنك فعلاً مبدع أو متعافي، بالرغم من أنك لم تبدع في أي شيء من قبل، أو أنك لا تزال مريضاً تتألم... النيّة هي عملية إقناع واعي للنفس..

 

...هل تقصد يا علاء أن عليّ أن أقول لنفسي أنني مبدع، وأبذل أقصى جهدي لأؤمن بذلك؟ هل هذا كل شيء؟

نعم النوايا موضوع أبسط بكثير، وفي ذات الوقت، موضوع معقد بشكل هائل... تتطلب المخيلة والتدريب ووضع رؤية وهدف... في هذه الحالة، أن تنوي يعني أن تحصل على معرفة جسدية واقعية غير قابلة للشك بأنك مبدع أو متعافي من المرض... أن تشعر فعلاً أنك مبدع في جميع خلايا جسمك وليس فقط فكرة عابرة في رأسك.

 

يمكننا تطبيق نفس المبدأ لكي تنوي على أي شيء آخر تريد جلبه لحياتك...

بالمختصر، أنت تريد الوصول إلى حالة تأكيد غير قابل للشك بأن ما تنوي عليه هو حقيقة حياتك وواقعك، وأنت فعلاً بالأصل تمثل ما تنوي أن تكون... هذا هو جوهر إرادة شيء بصمت... علم النوايا...

لكن كيف تصل لهذا العرفان والشعور الجسدي المؤكد؟... هل هو شيء يمكن تنميته بالتدريج؟

جواب هذا السؤال هو التكرار، وتعلّم كيفية تدريب مخيلتنا وعواطفنا من خلال التكرار والاجتهاد وجهاد النفس.

 

التكرار والتكرار والتكرار يعلّم الشطار:

نحن لسنا أشياء أو شخصيات جامدة كما علمونا وشفرونا... نحن نتغير ونتطور على جميع المستويات، جسدياً حيوياً وشخصياً وطاقياً.. أبعاد وأبعاد تنفتح كل يوم..

لدينا جميعاً طاقات كامنة هائلة، وخوف الإنسان ليس من ضعفه بل من قدرته وطاقته الضخمة غير المحدودة... لكن لأجل الوصول لهذه الطاقة الكامنة نحتاج لأن نتغير باستمرار...

فإذا لم نحتاج لأن نتغير، هذا يعني أننا سلفاً نعيش ونعبّر عن أعلى طاقة ممكنة لنا.

يجب أن نغير أفكارنا، عواطفنا، معتقداتنا وعاداتنا، وهي التي تشكل جوهر شخصيتنا.

 

أخي القارئ، بعد أن تفكر بما تقرأ هنا، يجب أن تحوّل هذه المفاهيم إلى طريقة حياة، عن طريق التكرار... كل شيء جديد في حياتنا لا بد من تكراره لنا لدرجة قصوى قبل أن نفتح أنفسنا عليه ونقبله.... التكرار هو الوسيلة التي استخدمها أسلافنا لجعلنا اجتماعيين وقادرين على العيش في هذه الحياة والمجتمعات.

طبعاً لسنا بحاجة لأي مجتمع إذا كنا نعيش كجماعة... أفراد منفصلين ويعيشون كجيران سوية ومستقلين ومشتركين بالعيش والروح....

أما التكرار يمكننا استخدامه كطريقة للتعلم... هكذا ببساطة تعلمنا معظم الخبرات التي نقبلها اليوم كشيء بديهي... من تحدث اللغات إلى قيادة الدراجة والسيارة وغيرها.... من خلال التكرار نقوم بتدريب كياننا العميق وجعله في حالة طاقة تنقلنا وتحولنا إلى شخص جديد، وهكذا تتغير حياتنا لأنها مجرد انعكاس لحالة كياننا الداخلية.

 

حقق هذا بتدريب نفسك لجلب شعور قوي، ومعرفة جسدية غير قابلة للشك، بأنك تمثل أي شيء ترغب به..

بينما قد يتطلب هذا جهداً كبيراً، لكن لا حاجة لأن يكون أمراً متعباً أو ملحاً، لأنه إذا تعلمنا أن نحب هذا التدريب الذاتي الاختياري سنزداد قوة مع كل خطوة... هذا النوع من العمل على النفس لا يقود لتحويل الشخصية فحسب، بل إلى تطوير كبير في الوعي أيضاً.

 

لا بد أن كثيراً منكم حاولوا تغيير أفكارهم أو صنع عادات جديدة، أو تجسيد نية معينة وفشلوا في ذلك.. لكن ذلك لا يعني أن هذه العملية لا تعمل.. بل يعني أننا لم نقم بها بالطريقة الصحيحة.. يعني أننا لم نكرر الحالة الجديدة من الكيان والشعور الجسدي للنوايا تجاه أنفسنا، لم نكررها باجتهاد ولدرجة كافية تمكننا من تحويل هذه الأفكار إلى حياة واقعية معاشة.

علينا إخبار حقل الطاقة الكوني وكذلك فكرنا اللاواعي (وهما الشيء ذاته المنطوي داخلك والمتجسد خارجك) والإلحاح عليه بالنوايا إلى أن نتجاوب ذبذبياً مع أعمق مستوى ممكن، بتلك الفكرة التي ألهمتا إلى أن نرمي كل شك وتناقض داخلنا... عندها سنبدأ نفتح أنفسنا على أفق جديد ونكتشف طريقة تجسيد النوايا الواضحة.. هذه هي!

 

الانسجام الداخلي وقوة النوايا:

"إذا كنتَ دائماً تفعل نفس الشيء، فستحصل دائماً على نفس ما كنتَ تحصل عليه"

هذه الحكمة هي دعوة لنا لنحوّل أنفسنا وحياتنا بفعل الأشياء بطرق جديدة مختلفة عن الماضي والروتين...

في الحقيقة، علينا فعلاً إعادة توجيه كل الطاقة التي نبذلها لتغيير واقعنا الخارجي، وتحويلها إلى تغيير أو على الأقل تحسين وتطوير وشحذ عالمنا الداخلي.. لأن الواقع الخارجي (حياتنا اليومية) هي حرفياً انعكاس وتجسد لعالمنا الداخلي... بكلمات أخرى، علينا نقل طاقتنا إلى تغيير واقعنا الداخلي: وهو صورتنا الداخلية عن أنفسنا ومشاعرنا وعواطفنا.

 

طبعاً المخيلة هي عنصر هام في استخدام قوة النوايا، ربما نتحدث أكثر عنها في موضوع مستقل، لكن أشعر أن التدرب على الإرادة بصمت وجلب الشعور هو أكثر أهمية من المخيلة.

العواطف تؤثر أكثر من الأفكار بكثير في حياتنا، لذلك إذا قدرنا على تغيير عواطفنا، تغيير كيف نشعر باستمرار تجاه أنفسنا، عندها ستتغير أفكارنا طبيعياً لتتوازى وتؤكد ذلك التغيير في الحالة العاطفية.

 

الانسجام الداخلي شيء أساسي جداً، وبطرق كثيرة يشكل مفتاحاً للعيش بالنوايا وتطبيق قوتها في حياتنا... ينتج الانسجام الداخلي عندما تتوازى وتتحاذى أفكارنا مع قلوبنا (أي المشاعر والعواطف) وعندما تتوازى أفعالنا عندها مع أفكارنا.

وعندما تتوازى أفعالنا مع أفكارنا، وتتوازى أفكارنا مع قلوبنا، نتوازى نحن ونتناغم مع الكون.. لأن مركز القلب هو صلة الوصل مع الروح ومع الكون عن طريق النوايا.

 

طاقة النوايا الكونية هي وعي وذكاء واسع لا يمكن تحديده أو تشخيصه، لكنه بالأصل طاقة.. ذبذبات... طاقة لا محدودة... لذلك، هو محبة... عندما نتوازى مع المحبة، ومع ما يهوى قلبنا، ومع حقيقتنا الداخلية المميزة، مع كل تلك الطاقات عالية الترددات، عندها نتوازى مع طاقة النوايا...

وبتحقيق الانسجام الداخلي بين عواطفنا، صورتنا الداخلية عن أنفسنا، أفكارنا، وأفعالنا، عندها نتناغم مع قوة النوايا وهي القوة التي تجلب الواقعية إلى الكيان وتجعل الوجود متاحاً لكل الكائنات.

 

أعظم مهمة لنا في الحياة هي التخلص من الأشياء غير الأساسية داخلنا، وهي كل شيء لا يقوّي اتصالنا بالنوايا، أو كل شيء لا يتدفق مباشرة من النوايا عندنا..... قد تستغرق هذه العملية حياة بكاملها لأنها عملية تنظيف وفك للبرمجة والتشفير واستعادة لاتصالنا بالكون.... لكن مع كل عقبة ننظفها ونزيلها من الطريق، نحصل على طاقة هائلة جداً، ونعطي لأنفسنا فرصة الدخول لعوالم جديدة لم نتخيلها من قبل وحالات جديدة من الكيان وطرق جديدة للحياة..

 

عندما يكون عندك رغبات وأحلام وأهواء متناقضة، فأنت تعرقل القوة الكونية للنية وتحجب الوصلة التي تصلك بالروح....

ما لم نشحذ حالة كياننا ونقوّي المعرفة الجسدية المؤكدة إلى درجة ما، فلن تتجسد رغباتنا في حياتنا.. لأن حالة الطاقة القديمة في الكيان والحالة الجديدة التي نحاول صنعها، ستكونان في تداخل وتناقض مدمر ذاتياً.

ستقوم الحالتان بتعديل بعضهما ببساطة....

هذا يعني أن علينا تحقيق تناغم مطلق مع ما نرغب به داخلياً... يجب معرفة أننا جديرون بتلك الصفة أو الرغبة، ومعرفة أننا قادرون تماماً على تجسيد تلك الرغبة، وأن نشعر بوجود معرفة في الجسد لا يمكن التشكيك بها من قبل الفكر، وأن هذه هي حالتنا الراهنة هنا والآن.

 

مجدداً، هذا التوازي الداخلي التام يتم تحقيقه بالتكرار فحسب... بالتدريب والاجتهاد...

لا يمكن إنتاج هذه المعرفة الجسدية بطريقة صناعية سهلة وسريعة كبسة زر!

يمكننا إنتاج وتنمية صورة داخلية باستخدام قوتنا نحن وبأفكارنا نحن، ونلوّن هذه الصورة بكل الطاقات الهامة من الأشياء التي نرغب بها ونحبها ونتحمس لها... لكن لا يمكننا صنع المعرفة في الجسد بطريقة صناعية مستوردة ووصفة جاهزة!

 

المعرفة أو العرفان يحدث عند نضج واكتمال حالة الكيان، حالما تصبح الحالة دقيقة وواضحة بالنسبة لنا، وعندما تتوازى كل طبقات وجودنا سوية: الجسد والفكر الواعي و اللاواعي والروح...

عندما يحدث ذلك، سيتجاوب الكون بأكمله مع رغبتنا ونيّتنا لأننا نخبره بوضوح بهذه النية لأول مرة... وعندما تتجاوب وتتناغم هذه النيّة (التي هي مجرد ذبذبة مدوزنة جيداً) مع الكون، هذا هو ما يدعوه العلماء بالعرفان ومعرفة الحق.. المعرفة التي لها قوة.. قوة إرادة صامتة ومعرفة جسدية أقوى من أي أفكار وأآخبار.

هذه هي قوة النوايا... وهذا هو الشعور الذي تولده في جسدك...

ما لم تختبر هذا الشعور من النور والحضور، فلم تدرك بعد قوة النوايا وطرق استخدامها، ولم تستخدم بعد طاقاتك الكامنة وكنوزك الداخلية التي تنتظرك....

انتبه، يجب ألا يكون هذا رسالة محبطة بأي طريقة!... بالعكس، يجب أن يكون رسالة إيجابية دافعة ومحفزة لك... لأنك إذا نظرت إلى حياتك كما هي الآن وكل ما صنعت (أو لم تصنع) وأدركت أنك قمت بكل ذلك دون معرفة طاقتك الحقيقية... تخيّل الآن ماذا كان بإمكانك ويمكنك الآن أن تصنع، ومن تستطيع أن تكون إذا تعلمتَ فن استخدام قوة النوايا... وتعلّمت استخدام المشيئة والطاقة الكونية الكاملة لتدعم وتجسد كل فعل من أفعالك وكل نية تنويها.

 

أضيفت في:19-7-2014... زاويــة التـأمـــل> العلم و التأمل
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد