موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

قصة الملك وصديقه الثري

كان هناك ملك مشهور جداً.. وكانت سمعته وأخبار أعمال الخير والصدقات التي يوزعها تنتشر في الأرض بالطول والعرض.. تواضعه، زهده في الدنيا وحياته البسيطة كانت معروفة عند كل الناس.. والنتيجة أن فخره ومجده لم يعرف حدود..

كان بعيداً عن الله أبعد ما يكون الإنسان عن الله.. فكم من السهل أن تلمع وترتفع في عيون البشر وكم من الصعب أن تقترب من الله! والشخص الراغب بمكانة عالية في عيون الناس، دائماً ما تهبط مكانته في عيون الله، لأن الشخص في الحقيقة داخل ذاته على عكس ما يظهر للخارج تماماً.. عيون الإنسان الجسدية لا تقدر أن تدخل لذلك العمق، ولذلك نجده يقع في خداع النفس.. لكن ألا تقدر بصيرته الداخلية أن تصل إلى ذلك العمق؟

في النهاية، ليس هناك قيمة للصورة التي يصنعها في عيون الناس.. ما يملك القيمة هي الصورة التي تظهر وتنفتح أمام عيونه الداخلية.. نفس الصورة للإنسان، في قمة التعرّي والتجرّد، تعكس ذاتها في مرآة الله.. في النهاية، كيف يكون الإنسان أمام نفسه يكون أيضاً أمام الله.

استمرت شهرة هذا الملك بالازدياد، لكن روحه استمرت بالغرق.. استمرت الشهرة بالانتشار واستمرت الروح بالانكماش والانحسار.. كانت أغصانه تنتشر وتمتد لكن جذوره تضعف وترتد..

كان عند الملك صديق.. ذلك الصديق كان أكبر أغنياء ذلك الزمن.. مثلما تجتمع الجداول والأنهار لتصب في البحر، كانت أيضاً قنوات من الثروات تجتمع لتصب في خزينة الثري.. لقد كان مختلفاً تماماً عن صديقه الملك، فلم يكن يشارك بأي فلس باسم الصدقة.. وكان غير مشهور أبداً.

الملك وصديقه الثري أصبحا كبيرين في العمر.. واحدٌ كان ممتلئاً بالفخر، والآخر ممتلئ بالندم.. كان الفخر يقدّم المتعة والفرح، والندم ينخر وينخز الروح.

مع اقتراب الموت وظهوره أكثر للملك، كان يتمسك ويتعلق بالفخر أكثر فأكثر.. فهو على الأقل عنده شيء يتمسك به.. أما الندم عند الرجل الثري أصبح في النهاية ثورة داخله.. لا يمكن للندم أن يكون شيئاً يعتمد عليه أو يدعمه.. وكان من الضروري التخلي عنه... لكن دعونا نتذكر أن الندم هو أيضاً الوجه المعاكس للافتخار، ولذلك من الصعب الاستغناء عنه أيضاً.. كثيراً ما نجد أن الندم عندما ينقلب، يتحول إلى فخر.. ولهذا السبب، يتحول الراكضون وراء المتعة إلى قديسين متدينين، والطمّاعون وفاعلو الخير والمجرمون يتحولون إلى فقراء مساكين.. لكن في الأساس ليس هناك أي ثورة في أرواحهم.

ذهب ذلك الرجل الثري إلى معلم جيد.. وأخبره: "أنا قلق جداً... أحترق داخلي في نار هائلة.. وأريد قليلاً من السلام"..

سأله المعلم الجيد: "ألم تقدر على إيجاد السلام في كل هذه الثروة والشهرة والسلطة والقدرة؟"

أجاب الثري: "لا.. لقد أدركتُ تماماً أنه لا يوجد أي سلام في الثروة"..

قال له المعلم الجيد: "اذهب وارمي كل ما تملك إلى الذين قد سرقته منهم، بعدها ارجع إلي.. تعال إلي بعد أن تصير بسيطاً وفقيراً"..

فعلاً قام الرجل الثري بما طلبه المعلم... وعندما عاد إليه، سأله المعلم الجيد: "كيف حالك الآن؟"

أجاب: "الآن ليس عندي أي دعم أستند عليه سواك أنت يا معلمي"..

لكن ذلك المعلم الجيد كان غريب الأطوار... ربما نقول أنه مجنون... طرد ذلك الثري الفقير من كوخه وأغلق الباب في وجهه.. كانت الليلة مظلمة والغابة موحشة.. وفي تلك الغابة لم يكن هناك أي مأوى سوى كوخ المعلم.

اعتقد الرجل الثري أنه عاد بعد فعل شيء عظيم.. لكن ما هذا الاستقبال الذي حصل عليه؟

لقد وجد أن تكديس الثروة ليس له فائدة، لكن الاستغناء عن الثروة أيضاً ذهب دون فائدة..

تلك الليلة، نام تحت شجرة دون أي دعم.. لم يعد عنده أي سند أو صديق ولا منزل... ليس عنده ثروة ولا سلطة، لا تكديس ولا استغناء.. وعندما استيقظ في الصباح وجد أنه مغمور في سلام لا يمكن وصفه بالكلام.. الفكر دون دعم، سيجد الدعم الإلهي دون أي صعوبة.

ذهب راكضاً ليشكر المعلم الجيد ويقبّل يده، لكنه وجد أن المعلم الجيد ذاته يشكره ويقبل يده!
عانقه المعلم الجيد وقال له: "من الأسهل أن تستغني عن الثروة لكن من الصعب التخلي عن الاستغناء.. لكن فقط من يقدر على التخلي عن الاستغناء، يقدر فعلاً على التخلي عن الثروة... من الأسهل أن تستغني عن العالم لكن من الصعب أن تتخلى عن المعلم.. لكن من يقدر أن يتخلى عن المعلم، سيقدر على إيجاد المعلم العظيم.. سواء كان الدعم من الثروة أو من الاستغناء، من الندم أو من الفخر، من الدنيا أو من التدين والقداسة، هناك عقبة في الطريق إلى الله...

حالما تسقط أنواع الدعم الأخرى، ستحصل على الدعم الأعلى والأسمى... سواء بحثتُ عن الدعم من الثروة أو من الدين، طالما لا زلت أبحث عن الدعم فأنا أبحث فقط عن حماية للفخر والافتخار.. حالما أستغني عن ذلك الدعم، حالما أصبح دون دعم ودون حماية، سيغرق الفكر في الوجود الأساسي للنفس...

هذا هو السلام.. الحرية والتحرر.. الانعتاق والانطلاق.. هل تريد إيجاد شيء آخر أيضاً؟"

أجاب الرجل، الذي لم يعد ثرياً ولا فقيراً:

"لا.. فكرة الامتلاك بحد ذاتها كانت خطأ.. لقد كنتُ ضائعاً تائهاً بسببها.. كل ما يجب إيجاده تم إيجاده مسبقاً.. فقط في السباق إلى التملك والامتلاك يضيع الشيء الأبدي الموجود.. الكنز الحقيقي...

الآن، أنا لا أريد السلام ولا أريد حتى الله... أنا أيضاً غير موجود، وما يوجد الآن هو السلام ذاته، الله والألوهية، التحرر والحرية"..

أضيفت في:6-4-2014... زاويــة التـأمـــل> رسائل من نور
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد