موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

المعرفة الروحية و الفوضوية

السلام منكم وعليكم... وكريمٌ رمضان على كل إنسان...
نشاهد في أيامنا كثيراً من المشاكل والحروب والصراعات في كل بلد، وانقسام الناس بين الأديان والطوائف أو مع حكومة وضد حكومة... ويحتار المرء في بحثه عن الحل لأنه يبحث بواسطة الفكر والعاطفة فلا يجد أي شيء.. يصطدم بأن كل إنسان عنده فكر وفلسفة وعلى دينه الله يعينه.. وكل مجموعة ترى أنها على حق والبقية خطأ وضاع الفهم في ظلمة الجهل.

القراءة أولاً هي ما يوصلنا لفهم ما يحدث ويوصلنا إلى المعرفة.. المعرفة بنفسي والمعرفة بالله، من عرف نفسه عرف ربه... المعرفة الروحية بقراءة ما هو حي وينسجم مع الفطرة الطبيعية وليس قراءة الكتب النظرية والميتة وتجميع معارف معالف الفكر... قال الله للنبي الحبيب: اقرأ باسم ربك الذي خلق.. أي اقرأ الفطرة داخلك.. اقرأ اللوح الحيّ المحفور في الصدور لا في السطور.
كيف عاش الأنبياء والصحابة والمسيح وأهله؟ هل كان الناس وقتها بحاجة لحكومات تحكم وتشفر الناس بالرقاقات والهويات والكاميرات كما صرنا اليوم؟ أم كان كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته؟؟؟

نعم يمكننا جميعاً أن نعيش كما عاشوا بمسؤولية وحرية، والمعرفة بالله هي السر وهي الحل لكل صاحب عقل... المعرفة بالله أو بالنفس.. المعرفة الروحية تحرر وتطوّر وتعيد الفطرة وتعيد الحكم للحاكم الداخلي الصوت الحي للضمير الواعي دائماً.. معرفة الله تعيد الحكم لله أو الفطرة داخلنا، الفطرة التي حتى عند الحيوانات لم تسبب أي حرب أو جريمة منذ الأزل...

الفطرة من صفاتها الفوضوية أو العفوية كالأطفال، وإذا لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت الله.. وهناك علاقة محددة بين المعرفة الروحية والفوضوية لأن كلاهما تعتمدان على الفرد.. الفوضوية ستكون مستحيلة من دون المعرفة الروحية، لأن معرفة الروح هي فقط من يستطيع تحويل حياة الناس وجلب نوعية من الطاقة والحيوية إليهم بحيث لا يحتاجون لأي حكومة على الإطلاق.. الإنسان الذي عنده وعي ليس بحاجة لأي شخص آخر ليقول له ماذا يفعل وماذا لا يفعل... ليس بحاجة لمدرّس الأخلاق ورجل الدين والشرطي والقاضي والمحكمة.. كل هؤلاء يصبحون دون معنى ولا فائدة.

سيكون يوماً من أعظم أيام تاريخ البشرية عندما تصبح كل الحكومات بلا فائدة ويتم الاستغناء عنها... وهذا يعني أن الإنسان قد تجاوز كل الحيوانية داخله كالعنف والغضب والكراهية، أي كل ما يستلزم حكومةً لتحكم وتتحكم بالناس، وإلا سيكون هناك حوادث كثيرة من الاغتصاب والإجرام والسرقات ولن يكون أي إنسان بأمان.

الحكومة هي ببساطة اتفاقية من المجتمع: "نحن غير قادرين على التحكم بأنفسنا، نحن بحاجة لتحكم مركزي وقوي لدرجة تكفي لمنع الناس.. فلا يجرؤ الناس على الخطأ، وإذا تجرؤوا على فعل شيء فيمكن عندها معاقبتهم".... لكن رغم وجود الحكومات القوية تستمر معدلات الجريمة بالازدياد، ويزداد حجم وأعداد السجون، وأعداد القضاة والمحاميين والمحاكم، وأعداد المجرمين والسارقين، وأعداد التشريعات والدساتير والقوانين ومسلسلات حكم العدالة!......

لذلك، إذا قمتَ ببساطة بإزالة الحكومة ستسود الفوضى وينتشر كل ما كان مكبوتاً في الإنسان بسبب الخوف... فكلٌّ من الحكومة والدّين، وهما المؤسسات الأقوى في المجتمع، تستخدمان الخوف والطمع لتكبت الحيوان داخلك... انتبه أنهما لا تقومان بتحويله أبداً... إذا تم القبض عليك سترسلك الحكومة إلى السجن لتعاقب، وإذا لم يتم القبض عليك سترسلك الأديان إلى نار جهنم لتعاقب.
هناك اتفاقية أساسية بينهما: إذا تم اكتشاف فعلك سيتحول إلى جرم... وإذا لم يتم اكتشافه فسيبقى ذنباً أو خطية... لكن في كلا الحالتين الخوف موجود، الخوف من أن عليك أن تعاني وتتألم... ومن ناحية أخرى، إذا بقيت "جيداً" فالحكومة عندها لك أكبر الألقاب والمكافآت، ستصبح المهندس الأستاذ البروفيسور الدكتور وتحصل على جائزة نوبل وكثير من الجوائز عبر العالم تنتظر الناس الذين أثبتوا ونجحوا بكبت كل شيء بغيض داخلهم.. أولئك الكابتين تتم مكافئتهم بالملايين، وإذا لم تتم مكافأتهم هنا سيكافؤون في الجنة بكل ما فيها من ملذات الدنيا.

 

لكن كل هذا مجرد إستراتيجية وتقنيّة لإبقاء حيوانية الإنسان مكبوتة قدر الإمكان...
إنها لا تجلب أي تغيير في جوهر الكيان....


المعرفة الروحية تعني التغيير الداخلي في فكرك وروحك:

عندها لا تحتاج لأي خوف، لا تحتاج لأي جهنم... ولا تحتاج لأي مكافأة ولا أي جنة، لأن تجاوزك للحيوانية داخلك هي أعظم مكافأة في الوجود...
تحوّلك إلى إنسان حقيقي هو تجربة فائقة من الغبطة والنشوة، ليست بحاجة لأي شيء يضاف إليها... لذلك، المعرفة الروحية لا تحتاج لأي معتقدات عن الله والجنة أو النار، تلك أنواع سياسية من الحكم والحكومات والأديان السياسية التي مضى عليها الزمان.
أرى أن هناك علاقة بين المعرفة والفوضوية.. لكن المعرفة الروحية أساسية أكثر ويجب أن تحدث أولاً، عندها فقط تظهر إمكانية للفوضوية العفوية.. وإلا للآن لا تزال فكرة نظرية كالمدينة الفاضلة.

لقد حدث الحادث لأفراد فرادى كالحلاج والنبي والمسيح وابن الرومي، لكن عليه أن يحدث للبشرية بكاملها اليوم... وعندما يحدث لبعض الأفراد، من الغريب حقاً أن نجد الحكومات غير مسرورة أبداً.. والآن يمكنكم فهم لماذا تنزعج الحكومات والحكام ويرجمون كل نبي ويصلبون كل مسيح.

حدوث التحويل في كيان الإنسان بحيث لا يبقى داخله أي حيوان، يسبّب الخوف للحكومات وللمؤسسات الدينية، لأن ذلك الإنسان يُظهر أن التحويل يمكن حدوثه للجميع... وفي لحظة حدوثه للجميع، ستكون كل الحكومات والأديان دون فائدة ويتم الاستغناء عنهم وعن خدماتهم.. ولا أحد عنده كل هذه السلطة والقوة يرغب بأن يستقيل من منصبه... لا يوجد أي حكومة ترغب بالاستقالة، ولا يوجد أي هيئة دينية أو رجل دين يرضى بالاستقالة!

لذلك نجد شيئاً غريباً جداً في المجتمع: يستمرون بتعليم الناس كيف يكونوا مواطنين جيدين وصالحين، لكنهم في العمق يريدون منك أن تبقى كما أنت، فوجودهم بكامله يعتمد على بقائك كما أنت.

 

اقرأ أكثر على الموقع:

في قلب الله

زاويــة التـأمـــل

أضيفت في:5-7-2013... زاويــة التـأمـــل> تأمل ساعة
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد