موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

.. المكانة والتقدير

الفكر دائماً يتوق ويشوق... يريد منك شيئاً فوق العادة...
والأنا دائماً تجوع وتفوع... تطلب من كل شيء زيادة...

هذا حلم الجميع.. وقد يحققه أحد ما من خلال المال.. من خلال الظاهر من الجمال... من خلال القوة والسلاح.. أو من خلال المعجزات والخوارق... لكن كل هذا يحمل الحلم نفسه: أنا لا أحتمل أن أكون لا أحد.. لا أحتمل أن أكون "ما حدا".

لكن المعجزة الحقيقية الوحيدة هي عندما تقبل فناء الأنا عندك في بحر الصفاء... عندما تقبل أنك إنسان ولا تستكبر بين الناس ناسياً التآخي والإخاء... وعندما لا تطلب أي اسم أو لقب يميّزك عن سواك....
فناء القطرة في محيط الماء هو الباب إلى الخلود والبقاء... وهو المعجزة الوحيدة في الأرض والسماء...

هذه قصة عن أحد الحكماء الأتقياء.. عن معلم كبير لا يقول حتى أنه معلم ولا يدّعي بشيء... بينما كان هذا المعلم يعمل في حديقته أتى أحد الباحثين عن الحقيقة وسأله: أيها الفلاح، أين أجد المعلم؟
فضحك وأجاب: انتظر قليلاً.. ثم ادخل من ذلك الباب تجده جالساً بانتظارك.
تمشّى ذلك الرجل قليلاً ثم دخل... وإذ به يرى نفس الفلاح جالساً على كرسي المعلم.. على كرسي الملك والرئيس والعرش والمكانة العالية... فصرخ الرجل في وجهه: "ما هذا الهراء؟ هل تمزح معي؟ انزل فوراً عن كرسي المعلم.. فهذا تدنيس للمقدسات ودليل على عدم احترامك للمعلم!"
ونزل المعلم الفلاح وجلس على الأرض... وقال: الآن الأمر صعب عليك، لن تجد المعلم هنا لأنني أنا المعلم."
كان من الصعب على ذلك الباحث أن يرى المعلم... فهو لم يكن يبحث عن معلم بل عن طقم الثياب الأنيق والمال والجاه والذهب العتيق... ولم يستطع أن يصدّق أن معلماً كبيراً بإمكانه أن يكون لك مثل الصديق... بإمكانه أن يعمل في الحديقة كأي إنسان عادي دون لبس الألماس والعقيق...
فعاد أدراجه وخسر النور والحكمة التي كانت عند المعلم...

كل منا يخاف أن يكون لا أحد... لكن القلّة القليلة النادرة لا يخافون الفناء... هؤلاء هم الأنبياء والأولياء والعلماء... وأن تكون شخصاً عادياً و"ما حدا" ليس ظاهرة عادية أبداً... إنها واحدة من أعظم تجارب الحياة.... أن تكون حياً في الوجود وكأنك لست موجود... لم يبقََ منك إلا النور والوجود الصافي دون أي اسم أو عنوان.. دون منزل وحدود وكيان.. لا كقدّيس ولا كإبليس... لا كشخص أعلى ولا أدنى مكانة من غيرك... مجرد صمت عميق في وجدانك وضميرك....

الناس يخافون من هذا لأن شخصيتهم المرموقة ستنكسر... اسمهم وشهرتهم ومسؤولياتهم كلها ستختفي.. لذلك الخوف بل الرعب من طريق القلب...
لكن الموت يا حبيبي سيأخذهم منك رغم إرادتك... وما حدا آخد معو شي....
الإنسان الواعي مفتوح البصيرة يرى سخافة الأشياء المتمسك بها... فيسمح لها بالسقوط من تلقاء ذاتها... فلا يبقى أي شيء للموت لكي يأخذه.. وهنا تتحقق "موتوا قبل أن تموتوا".... وستتفاجأ عندها أن مخاوفك كلها اختفت... الموت لن يأتي لأنه لن يجد عندك أي شيء له... هنا سر الخلود... الموت لا يستطيع أن يقتل "الما حدا"....
حالما تشعر بفناء ذاتك ستقضي على الموت وستصبح خالداً... وهذا الفناء تحديداً هو الجنة... جنة العارفين الذائبين في الله والكون... حيث الصفاء.. الصمت والنقاء يملأ الفضاء... لا أنا.. لا شخصيات ولا زيف ولا تمثيليات.... صمت الحقيقة المعبّر أكثر من الكلام...
أنت موجود بطريقة ما، لكن لست كذلك....
أنت موجود هنا بسبب الارتباطات القديمة مع جسدك.. لكنك عندما تنظر للداخل تجد أنك لست هنا.... وهذه الرؤية عندما يجتمع الصمت مع الحضور... هي حقيقتك الدفينة التي بحث عنها الآلاف لآلاف السنين... هي نبع الخلود المشهور... هي خلودك في ملكوتك... السر الذي لا يمكن للموت أن يأخذه أبداً..........
لا يوجد أي شيء يستحق أن تخاف بسببه... نعم.. بقوة... إنْ خِفتُم من شيء فادخلوا فيه... لا شيء مهم لكي تخسره... وإذا كنت تعتقد أن شيئاً ما سيضيع منك.. كالاسم والمرتبة والرتبة والراتب... إنها جميعاً عديمة القيمة في عالم الحق والحقيقة... مجرد ألعاب للصغار.. ليست للأشخاص الناضجين...
آن الأوان لك لكي تنضج... لكي تبلغ سن الرشد الفعليّ... وأن تكون ذاتك دون تفاهات وإضافات...
كلما كنتَ محدوداً بشخصية ما... كلما كنتَ أحداً ما... صغرتَ أكثر...
وكلما كنتَ "ما حدا" كلما كبرتَ وازداد وعيك....
فاسعَ دائماً إلى الفناء إلى الموت قبل الموت... قبل الدخول في التابوت... فتتحد بالكون الكبير المنطوي في عمق قلبك... بهدوء وسكوت....
 

 http://www.baytalhaq.com/images/ecards/flowerbar.gif

أضيفت في:28-9-2009... بطاقات الحكمة> البطاقات
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع



 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد