طفولة لا تنتهي الوجود كله يرقص ويسبح بحركة متناغمة متوازنة... الطيور تغرّد، الأنهار تتدفق، الشمس تسطع والنجوم تلمع… كل شيء يتحرك بانسجام دون ضياع، باستسلام وتسليم ويلعب دوره في هذه الحياة، ما عدا الإنسان الذي سقط ضحية الفكر والجهل… وما علينا سوى أن نعود إلى ذاتنا ونتوحّد معها، أن نغوصَ في أعماقنا لنكتشف الطفل البريء الصغير الموجود في قلب كل واحد منا… وما لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوتَ الله....
الطفل يعرف بالفطرة كيف يسبح في أعماق البحار والحياة، لكننا نحن من نُفسده بالأفكار والعقد والسخافات... إنه يحتاج للحماية والرعاية، لكن سيستغني عنها عاجلاً أم آجلاً.. ومع هذا فإن هذه الحماية تتواصل لتحاصره من كل الجهات والممرات، فتصبح راسخةً في بُنيته مما يؤدي إلى تضارب وتعارض بين البنية والوعي… عندها سيكون لدينا احتمالان فقط:
^- إما أن نظل سجناء حتى الممات في قفص الأوهام والخرافات، لا نسمح للوعي أن ينمو ويكبر، فنكون مطمئنين مرتاحين ولكنها راحة واستراحة الموت لا غير، أموات بانتظار يوم الدفن…
^- أو أن نخترق هذه البنية دون أن نحترق، وهذا أمر سهل إذا تم بحب وتعاطف وامتنان لهذه البنية لأنها ساعدتنا ومنحتنا الحماية حتى الآن...
لنكن أكثر بساطةً وبراءةً ونقاء، وأقل تفكيراً وخوفاً وغضباً لأن هذه الأمور ما هي إلا حواجز بيننا وبين الحياة، فإنْ لم نعد كالأطفال لن ندخل الجنة وملكوت الأرض والسماء...
لنعد للوراء بذكرياتنا إلى الطفولة.. إلى الجذور.. لأن الأشياء لا تتغير إلا إذا عرفنا الأسباب.. الفهم والاستيعاب سيعطيك الجواب... ويمكنك استخدام هذين المفتاحين لتفتح الباب:
1- اجلس في سريرك كل ليلة، وأطفئ الأنوار.. وعُد طفلاً صغيراً جداً، ارجع بذاكرتك إلى أيام الطفولة والعفوية، إلى أقدم مرحلة تستطيع تذكّرها، لعمر ثلاث سنوات...
الظلام يلتف من حولك، وأنت لوحدك، ابدأ بالبكاء والتمايل والتحدث بكلام مُبهم... كلمات تافهة سخيفة.. مجرد لغو... دون أن توجّه ذلك لأي أحد على الإطلاق...
لا تحاول أن تفهم معنى ما تقول، وإلا فإنك ستبدأ بالانتقاد والاستهجان... اترك كل شيء يحدث كما هو: تمايل، ابكِ، اضحك، اصرخ، كن مجنوناً.. استمتع بذلك لمجرد اللهو والمزاح فحسب لمدة ربع ساعة...
سوف تتفاجأ لأن عدة أصوات ستظهر ويتردد صداها... وستتوغل فيها عميقاً عميقاً لتصبح بحال تأملي انفعالي عظيم، بحال الوصل لا الفصل، وهذا الزاد خير من كل زاد ورجاء..
بعدها اخلد للنوم حاملاً معك بساطة وبراءة طفل صغير لا جدرانَ تُحيط بقلبه أو روحه.. بكل حرية دون هم أو غم، لينبض قلبك بالحب والأمان والأمن... ولتتفتح زنابقه البيضاء ناشرةً عبير المحبة في كل الأرجاء، مطهرةً إياك من كل الأوهام والرّياء.. سيكون نومك هانئاً عميقاً مريحاً، بلا كوابيس أو إزعاجات.. وستنهض صباحاً حراً طليقاً، دون حواجز أو قيود كالأطفال كالأنسام المتهادية التي تجوب الآفاق من سماء إلى سماء......
2- كلما أُتيحت لك الفرصة نهاراً عِش طفولتك من جديد... إذا كنتَ على الشاطئ، فاركض والعب مثل طفل صغير، اجمع الأصداف والحصى الملونة.. والعب بالرمال الذهبية...
وإذا كنت في الحدائق والرياض، فالْحقْ الفراشات الزاهية الألوان، وتمتع بجمال الزهور وأريج العطور، انسَ عمرك، والعب مع العصافير والحيوانات.. اركض في المروج والوديان بسرور وحُبور لا يُحدّ ولا يوصف.. اختلط مع الأطفال وشاركهم اللهو والفرح.. ولا تبقَ واقفاً جامداً بلا حراك، بلا حياة، فالجمود موت وانتهاء...
تمدّد على العشب الأخضر، على هذا البساط السندسي الرائع، وانعم بأشعة الشمس التي تنعش النفس.. كن عارياً إذا أمكنك ذلك لتكون كالأطفال مرة أخرى...
وفي البيت قِف أمام المرآة في الحمام، قطّب وجهك وقم بحركات ساخرة مضحكة كما يحلو للصغار أن يفعلوا، اجلس في حوض الاستحمام، العب بالماء ورُشّه عالياً، والهو بألعابك، بالبطات والأرانب والسلاحف! وهكذا تتصل وتتواصل مع طفولتك من جديد...
الطفل الصغير الكامن في أعماقك حاضرٌ للتفتح والانطلاق، ولكن عليك أن تسمح له بذلك..
الحياة لعبة العبها بفرح ومرح وشكر، وابتهج بالأشياء الصغيرة البسيطة، فهذه هي الحقيقة والطبيعة بدون أي شريعة... لنعبُر هذا الممر إلى المقرّ... من الديار إلى الدار ببراءة الصغار، وحماسة الشباب، وحكمة الكبار...
أضيفت في:22-3-2006... صيدلية الروح> من القِناع إلى القناعة .... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع
|