موقع علاء السيد... طباعة
<<<< >>>>

ما أهمية التأملات النشيطة؟

لقد أصبح الإنسان الحديث ظاهرةً جديدة بحدّ ذاته، فلم يعد بالإمكان استخدام أية طريقة تقليدية مثلما كانت من أيام زمان، لأن الإنسان الحالي لم يكن موجوداً حين ظهورها، ولذلك أصبحت جميع الطرق التقليدية ميتة وبعيدة كل البعد عنا...

لقد تغيّر تركيب الجسم تغيراً كبيراً... وتخدّر كثيراً بحيث لم تعد تنفع أية طريقة تقليدية...
وأصبح الجو بكامله صناعياً وملوثاً: الهواء، الماء، المجتمع وظروف الحياة، ولم يعد أي شيء طبيعياً... حتى منذ لحظة الولادة يبدأ الطفل بالاحتكاك بالمواد الصناعية والأفكار الصناعية أيضاً... لذلك أقول أن الطرق التقليدية عديمة الفائدة الآن، وعلينا تغييرها وفقاً للحالة الراهنة.

شيءٌ آخر: لقد تغيّرت نوعية العقل والفكر بشكل جذري...
ففي أيام "باتانجالي" الذي كان أشهر معلم في اليوغا منذ ألوف السنين، لم يكن مركز شخصية الإنسان ومحور وعيه متمثّلاً بالرأس أو الفكر، بل كان القلب... وقبل ذلك العهد لم يكن القلبَ أبداً، بل كان أخفض وأعمق من ذلك، قريباً من السرّة... أي صلة الأرحام...
أما الآن فلقد ابتعد مركز الحياة كثيراً عن السرة، وأصبح الفكر المتضخّم هو المركز المسيطر...

أنت لستَ بحاجة إلى أية طريقة للتأمل! ولا إلى أية تقنية أو مانترا أو وضعيّة! بل فقط تحتاج إلى الفَهم والاستيعاب وتوسيع وعيك وإدراكك...
لكن إذا كان هذا الفهم لفظياً كلاميّاً فقط، فكريّاً سطحياً فقط، فلن يتغيّر أو يتحوّل أي شيء فيك،
وسيتحول الأمر مجدداً إلى عملية تجميع للمعلومات والمعارف الجزئية.


طرق التأمل التي تجدها في هذا الباب هي طرق عشوائية تماماً ومتنوعة، لأن الطريقة الفوضوية مفيدة جداً من أجل دفع مركز حياتك نزولاً من الفكر المستفحل...
ولا يمكن دفع المركز أبداً وإبعاده عن الفكر باستخدام طريقة نظامية، لأن النظاميّة بحد ذاتها هي من عمل الفكر والمخ... فمن خلال الطريقة النظامية سيقوى الفكر، وسيسحب عقلك مزيداً من الطاقة...
أما من خلال الطرق العشوائية يتم إلغاء الدماغ تماماً، فلا يبقى له شيء ليعمله خلالها... هنا يتوقّف الفكر فتدخل في حال الذّكر والعطر...

الطريقة ستكون عشوائية جداً ومضطربة كأمواج البحر الهائج، لكي تجعل المركز يندفع تلقائياً من الفكر إلى القلب... من الفكر المشوّش إلى القلب منبع الحب ومسكن الرب...
إذا قمتَ بالتأمّل الديناميكي مثلاً بقوّة ودون تنسيق، بصورة فوضوية مجنونة دون سيطرتك، فسيتحرّك مركز حياتك إلى قلبك، وستحدث عندها عملية التخلّص من جميع الانفعالات والعقد والطاقات السلبية التي تحملها معك منذ لحظة الولادة وحتى الآن...

وأنت تحتاج إلى التخلّص من الانفعالات لأن قلبك مقموعٌ جداً من قِبل فكرك!!
لقد استغل فكرك قسماً كبيراً من كيانك فأصبح مُسيطِراً عليك بالكامل... ولم يعد هناك مجال للقلب، فتمّ كَبت وظيفته... ومات الحب والعشق والحق...

إنك لم تضحك ولا مرّة من أعماق قلبك! لم تعش أبداً انطلاقاً من القلب... ولم تقم بأي شيء إرضاءً له!.... الفكر يتدخّل دائماً لكي يُنظّم ويرتّب، ليجعل الأشياء قابلة للحساب والتجارة، وبهذا يُقمَع القلب...

ولذلك في بداية الطريق: تحتاج إلى طريقة فوضوية لتحريك مركز وعيك من الفكر باتجاه القلب...
وبعد ذلك، تحتاج إلى التخلّص من انفعالاتك لتحرير القلب من أعبائه ولرَمي الأشياء التي تكبته وتقتله، ولجعل قلبك مفتوحاً للفرحة والحياة...
وإذا أصبح القلب خفيفاً دون أعباء، سيتم دفع مركز الوعي إلى مكان أعمق من ذلك، وسيقترب من السرة... مركز السر والسّور والأسرار...

السرة هي مركز الحيوية... هي صلة الأرحام، المركز الأساسي الذي يتطور منه الجسد والدماغ وكل شيء في كيان الإنسان...

هذه الطريقة الفوضوية هامة جداً... والطرائق النظامية لن تساعد الآن، لأن الفكر سيستخدمها كأداة خاصة به... ولن يساعدك مجرد ترديد الأناشيد الدينية والأذكار في هذا الزمان: لأن القلب يحمل أعباءً كبيرة لدرجة أنه لا يستطيع أن يتفتّح ويتناغم مع هذه التراتيل الجميلة...

يجب دفع الوعي للأسفل إلى المصدر، إلى الجذور...
وعندها فقط ستظهر إمكانيّة التحوّل الحقيقي وتفتّح الزهور وإطلاق العطور، وهذا هو هدف الطرق الفوضوية التي أتكلّم عنها...
عندما تمر بحالة فوضى يتوقف الدماغ عن العمل... فمثلاً، إذا كنتَ تقود سيارة وفجأة اندفع شخص ما أمامك، ستتفاعل بشكل سريع جداً بحيث لا يمكن أن يكون الدماغ هو الذي سبّب هذا الانفعال، فالدماغ يستغرق وقتاً لكي يعمل، يفكّر ماذا يجب أن يعمل وماذا يجب ألا يعمل...
ولهذا حالما تظهر إمكانية حصول حادث: تضغط على الفرامل في الحال، وتشعر بإحساسٍ غريب قريب من سرّتك، كما لو أن معدتك هي التي تقوم بردّة الفعل!

لقد دُفعَ وعيك للأسفل إلى السرة بسبب الحادث...
لو كان بالإمكان حساب الحادث سلفاً، لكان الدماغ قادراً على التعامل معه، لكن في لحظة الحادث يحدث شيء مجهول تماماً، وبعدها تُلاحظ أن وعيك قد تحرّك إلى السرة.

إذا سألتَ حكيماً من حكماء "الزِّن": من أين تُفكّر؟
فسوف يضع يديه على بطنه!!!

عندما اتصل الغربيون بالحكماء اليابانيين لأول مرة، لم يستطيعوا فهم هذا:
"ما هذا الهُراء!! كيف تستطيع أن تفكّر من بطنك؟؟"
لكن جواب ذلك الحكيم كان ذا معنى عميق جداً....
يستطيع الوعي أن يستخدم أي مركز من مراكز الجسم الثلاثة، والمركز الأقرب إلى المصدر الأصلي للطاقة هو السرّة.... أما الدماغ فهو الأبعد عن ذلك المصدر، ولذلك إذا كانت طاقة الحياة تتدفق إلى الخارج: سيصبح الدماغ مركز الوعي، أما إذا كانت طاقة الحياة تتدفق إلى الداخل: ستصبح السرة هي المركز.
الطرق الفوضوية ضرورية لدفع الوعي إلى جذوره، لأن عملية التحويل مُتاحة من الجذور فقط، وإلا سوف تستمر بالكلام النظري الفارغ ولن يكون هناك أي تحوّل...

لا يكفي فقط أن تعلم ما هو الشيء الصحيح وتعتقد به... عليك أن تحوّل وتُغيّر الجذور، وإلا فلن تتغير وتتطور أبداً... وعندما يعرف أحدهم الشيء الصحيح، ولا يكون باستطاعته عمل أي شيء حياله، سيصبح متوتّراً بصورة مضاعفة!
يفهم، لكنه لا يستطيع القيام بشيء...
إن الفهم يصبح ذا معنى فقط عندما يأتي من السرة.... من الجذووووور....
إذا كنتَ تفهم من دماغك فقط، فهذا الفهم لا يحوّل شيئاً!

لا يمكنك إدراك الله ومعرفته من خلال الدماغ، لأنك عندما تقوم بعملك من خلال الدماغ تكون في تناقض وصراع مع الجذور ومنبع الروح التي قد أتيتَ منها...
مشكلتك بكاملها هي أنك ابتعدتَ عن السرة...
لقد أتيتَ من السرة كجنين وعبرها تموت وتنتقل إلى السماوات والبرازخ، فعليك أن تعود إلى الجذور، لكن العودة صعبة وشاقة....

إن الطرق التقليدية فيها سحر وإغراء لأنها قديمة جداً وقد وصل كثير من الناس إلى الحكمة والاستنارة ومعرفة الله بواسطتها...
وهي ربما أصبحت غير مناسبة لنا، لكنها كانت مناسبة تماماً للأنبياء والحكماء القديمين... ولقد كانت تلك الطرق فعّالة ومفيدة جداً.
قد تكون الآن عديمة المعنى والجدوى، ولكن لأن الحكيم بوذا مثلاً قد حقق الكثير من خلالها، تجد أن لها إغراءً يجذبك إليها، ويشعر المتمسّك بالتقاليد: "إذا حققَ بوذا هدفه واستنارته من خلال هذه الطرق، فلماذا لا أستطيع أنا كذلك؟"
لكننا في حالة مختلفة تماماً الآن... فقد تغيّر الجو بكامله وتغيّر محيط الأفكار أيضاً...
كل طريقة فعّالة من أجل حالة معيّنة، من أجل فكر محدد، ومن أجل شخص محدد...

لكن انتبه: إن حقيقة أن الطرق القديمة لم تعد تعمل، لا تعني أنه لا يوجد طرق أخرى مفيدة، بل تعني فقط أن الطرق بحد ذاتها يجب أن تتغيّر...
وكما أرى الحالة الراهنة، لقد تغيّر الإنسان الحديث كثيراً بحيث أصبح يحتاج إلى طرق وتقنيّات جديدة جداً...


ملاحظة حول هذه التقنيات:
ننصحكم بعدم القيام بأكثر من تقنية واحدة في نفس الفترة... بل يمكنكم اختيار تقنية أو اثنتين وواحدة أفضل، والاستمرار بها لمدة أسبوع على الأقل، ثم الانتقال إلى تجربة تقنية أخرى إذا رغبتم...

أضيفت في:13-3-2006... زاويــة التـأمـــل> طرق للتأمل
.... إذا وجدت أن الموضوع مفيد لك، أرجو منك دعم الموقع

 

 

© جميع الحقوق محفوظة.. موقع علاء السيد